تطرقنا في أكثر من مقال ضمن الموقع للمشاكل والمعوقات التي تعاني منها المنطقة٫ كما سلطنا الضوء على مؤهلاتها وثرواتها،فنأتي إلى طرح البدائل الممكنة التي نعتقد بأنها كفيلة بتجاوز الوضع الراهن وتدارك الأمر، رغم قناعتنا باستحالة تغيير الوضع دفعة واحدة، لتجدر هذه المعوقات وارتباطها بشكل وثيق بالعنصر البشري الذي يبقى عصيا على التغير السريع من حال إلى اخر ، بيد أن هذا لا يمنع من المبادرة إلى اتخاذ خطوات جريئة قصد اخراج المنطقة من وضعها ورفع التحديات التنموية وهي خطوات ينبغي أن تستهدف الانسان في ذاته أي تأهيل العنصر البشري وتعبئته للانخراط بقوة في التغيير عبر تمكينه من مقومات العيش الكريم وتهيئة محيطه لاكتساب كل الخبرات الضرورية لانخراطه في بناء وتنمية منطقته ووطنه حاضرا ومستقبلا، ولا نقصد بهذه الخطوات إضافة المزيد من المباني والمرافق إلى ما هو قائم أصلا لأن إزدهار العمران لا بعبر بالضرورة عن إزدهار الانسان .
1 ـ إرساء أسس للتدبير التشاركي لمجال أدرار دائرة أنزي : وذلك بفتح نقاش عام بين كل مكونات المجتمعين المدني والسياسي الفاعل على صعيد المنطقة ، في أفق توحيد الجهود والمبادرات وبلورة استراتيجية عمل متوافق بشأنها ويعمل الجميع كل من موقعه على الاسهام في تنفيذها وتتبعها ثم تقييمها وتقويمها.ولا شك أن أولى الخطوات في سبيل ذلك هي توثيق أواصر التعاون بين الجماعات القروية التسع الموكول لها ـ بمقتضى انتخابات مباشرة ـ تدبير حاضر ومستقبل المنطقة، لأن الوضع الحالي المتسم بالانغلاق لا يمكن أن يقدم شيئا مذكورا لتنمية المنطقة ، ولأن مشاكل كل الجماعات مرتبطة ببعضها البعض والحلول كذلك.ولا شك أن السبيل لتحقيق التدبير التشاركي المنشود يبدأ من خلال فتح نقاش عام حول افاق تنمية المنطقة وذلك في إطار لقاءات تتواصل فيها كل فعاليات المنطقة.
وحتى يتأسس التدبير التشاركي على أسس متينة لا بد من دعم التنظيمات التي تمثل الساكنة وتؤطرهم مثل الجمعيات والتعاونيات ومجموعات الدواوير وينبغي في هذا الاطار تأهيل العنصر البشري الذي يشرف على هذه التنظيمات ويتولى تدبيرها لأن التجربة أثبتت أن التنظيمات الحديثة الممثلة بالجمعيات لم تجد بعد موطأ قدم لها ضمن المؤسسات الفاعلة بالمنطقة ولازال تدبير الشأن العام محكوما بمؤسسات تقليدية مهترئة تتوارى خلف الأسماء واليافطات الحديثة ـ جمعيات ، تعاونيات، مجالس منتخبة.
2 ـ فك العزلة عن مجال أدرار ـ دائرة أنزي : تشكل المواصلات بكل أشكالها اليوم أساس أي نهضة تنموية وبغيابها يستحيل الحديث عن تقدم لمجال أدرار ـ دائرة أنزي ، وكما أسلفنا فيما سبق توجد منطقتنا في موقع استراتيجي هام يمكن من الربط بين شمال المغرب وجنوبه عبر المحاور الطرقية التي همشت حتى الان بقصد أو بدونه ، ولا شك أن فتح هذه المحاور سيساهم بشكل كبير في فتح مجال أدرار أمام أعداد هائلة من العابرين شمالا وجنوبا وهو ما سينعش المنطقة ككل. وعلى مستوى اخر ينبغي فك العزلة عن الدواوير والتجمعات السكنية بمختلف مناطق أدرار من خلال تعزيز شبكة الطرق والمواصلات داخل المنطقة لتسهيل حركية السكان .
3 ـ تسوية وضعية العقار بمجال أدرار : ينبغي في هذا الباب إرساء منظومة قانونية واضحة متوافق بشأنها بمجال أدرار بين كل الأطراف، حتى تتضح الحدود بين الملك الخاص والملك العام التابع للدولة سواء أراضي الجموع أو الملك الغابوي الذي ينبغي الحسم في وضعيته بإشراك الساكنة والتنظيمات التي تمثلهم، لأن الوضع الحالي يجعل من سائر القرى والمناطق الاهلة بالسكان أراضي غابوية وهو ما يطرح التساؤل عن خلفيات ما يجري ويدبر عكس مسار التنمية وعكس انتظارات الساكنة.
ومن جهة أخرى يتعين وضع مخططات للتهيئة بالمراكز الجماعية حتى تتضح المعالم العمرانية لهذه المراكز ويفتح الباب للمستثمرين لإقامة مختلف المشاريع الكفيلة بالنهوض بالمنطقة ، ولا شك أن الوضع الحالي يفتح الباب على مصراعيه للبناء العشوائي فضلا عن شله لحركة التوسع العمراني بسائر المراكز.
4 ـ تعزيز البنى التحتية و الخدمات الاجتماعية الأساسية : يظل الارتقاء بالبنى التحتية و بجودة الخدمات الأساسية أمرا مطلوبا يتغير حسب الزمان والمكان، وإذا كانت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية قد خلقت مناخا جديدا حفز الفاعلين المحليين على الاسهام في الارتقاء بقطاعات حيوية مثل التربية والتعليم والأنشطة المدرة للدخل وغيرها، فضلا عن تعزيز المبادرات الخيرية والتضامنية بالمنطقة، فإن وضع عدة قطاعات حيوية وخصوصا الصحة والتعليم لازالا في حاجة إلى تعميق الاصلاحات وتعزيزها لأنها تمس الانسان وخصوصا المرأة التي هي أساس الأسرة والمجتمع. وينبغي في هذا الاطار التفكير الجدي في عدة مشاريع تصب في اتجاه :
ـ توفير الماء الشروب لسائر الساكنة في مناطق تواجدها وذلك عبر البحث والتنقيب عن الماء وكذا إقامة خزانات لتجميع مياه الأمطار التي غالبا ما تذهب سدى دون أن تستفيد منها الساكنة بالشكل الامثل علما أن مواسم الامطار تعقبها فترات قاسية من الجفاف الشديد.
ـ توفير الخدمات الصحية لسائر الساكنة من خلال تزويد المستشفيات بالأعداد اللازمة من الاطر الطبية المتخصصة خصوصا وأن مستشفى أنزي مثلا يتوفر على كل المعدات الكفيلة بضمان صحة أفضل للساكنة إلا أنه لا يتوفر على الأطر الطبية المؤهلة للارتقاء بخدماته وقس على ذلك باقي المستشفيات.
ـ تطوير المؤسسات التعليمية وتزويدها بكل معدات ووسائل العمل الضرورية وقبل ذلك بالشروط الأساسية من ماء وكهرباء ومرافق صحية ، والأهم من كل ذلك وقف نزيف استنزاف الأطر التعلميية من مدارس ادرار حيث تعاظم عدد الأقسام المشتركة بشكل مهول وتم تجفيف المنطقة من الأطر التعليمية وهو ما يهدد حاضر ومستقبل اجيال المنطقة. وفي محور التعليم ينبغي الاستفادة باكبر قدر ممكن من تجربة التعليم القرآني بالمدارس العلمية المنتشرة بالمنطقة حيث تستفيد هذه المدارس من عناية واهتمام كبير من قبل فعاليات المنطقة وهو ما ينبغي توسيعه ليشمل سائر مؤسسات التربية والتعليم وعموم القطاعات الاجتماعية الحديثة بالأساس، كما ينبغي الارتقاء بهذا التعليم من خلال فتح الافاق أمام الطلاب حملة العلوم الدينية للاستفادة من خبراتهم وكفاءاتهم لخدمة تنمية المنطقة.
5 ـ تشجيع الاستثمار : لا يمكن الحديث اليوم عن التنمية الشاملة دون استحضار أحد العوامل الرئيسية والأساسية وهو الاستثمار في الثروات البشرية، الطبيعية والاقتصادية والسياحية الهائلة التي تزخر بها منطقتنا، ولا شك أن الفعاليات المحلية من تجار وجالية مقيمة بالخارج مدعوة للانخراط بقوة في النهوض بالمنطقة، بيد أن ذلك يبقى رهينا بتوفير أرضية خصبة تشجعهم على المبادرة وابداع المشاريع الكفيلة بالاستثمار الأمثل والمسؤول لمؤهلات المنطقة وثرواثها. والحديث عن الاستثمار في هذا الباب لا يعني تشجيع الاسثمارات غير المسؤولة التي تضيق الخناق على الساكنة وتهدد معيشهم اليومي وترهن حاضرهم ومستقبلهم بل وحياتهم كما تفاقم من أوضاع المنطقة، ونذكر من هذا النمودج محميات الخنزير البري التي لازال عددها يتزايد بمجال أدرار على حساب أراضي ومزارع الساكنة مهددا ما تبقى من مخلفات
6 ـ الحفاظ على الثقافة و القيم المحلية : وتبرز أهمية هذا المحور طبيعة القيم السوسيوثقافية التي تنهل منها مؤسسات المنطقة٫ حيث لازال قطاع هام من ساكنة المنطقة محافظين على قيم التآزر والتأخي والتضامن، فضلا عن تلك القيم الموروثة منذ قرون٫ والتي ساهمت على مر السنوات في تمتين علاقة الانسان المحلي بأرضه ووطنه في إطار منظومة تعتمد على نمط اقتصادي تتجلى ركيزته الأساسية في الادخار وهي قيمة باتت اليوم مهددة بتنامي الارتباط بالسوق وقيمه الاستهلاكية التي استنزفت المنطقة وفتحت الباب على مصراعيه أمام كل مظاهر التحلل الثقافي والاجتماعي مع كل ما يشكله ذلك من تهديد للبنيان والتماسك الاجتماعيين . ولا شك أن هذا المحور يرتبط بشكل وثيق بالمحاور التي سبقت الاشارة إليها ولا يمكن الحديث عن القيم بشكل منفصل عن شروط البئية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية السائدة بالمنطقة.
ذ - الحسين أسمد