عرفت المؤسسات الاجتماعية بمجال ادرار تحولات عميقة عرفت أوجها خلال فترة الوجود الفرنسي بالمنطقة ، فخلال هذه الحقبة تعرضت المؤسسات التقليدية القبلية لهزات متتالية ادت إلى تحولات اجتماعية كبرى تمتلث بالأساس في ظهور أنماط جديدة للانتاج سواء على الميتوى المحلي أو من خلال هجرة ساكنة ادرار نحو فرنسا للعمل في المصانع أو الانخراط في سلك الجندية خلال الحرب العالمية الثانية ، وبذلك فتحت افاق جديدة لظهور مصادر أخرى للعيش والكسب غير الزراعة التي كانت المورد الرئيسي قبيل هذا التحول . وبفضل ذلك تحولت نسبة هامة من الساكنة نحو التجارة بالتقسيط ثم ما لبثت أن ازدهرت ـ وظهرت طبقة من التجار الذين سيدفعون بمجال أدرار فيما بعد نحو تطورات على مختلف المستويات والأصعدة ـ ومن المعالم الشاهدة على ذلك، التطور العمراني الكبير الذي تجسده الهندسة المعمارية بمجال أدرار سواء على مستوى المساكن الفردية الخاصة أو على مستوى المساجد والزوايا والمؤسسات الدينية التي تحضى بنصيب الأسد من الانفاق العام لهؤلاء ـ وقد مهدت هذه الفئة بدورها لتشكل نخب جديدة من الأجيال اللاحقة في إطار مؤسسات اجتماعية حديثة خرجت من رحم القبيلة واتجهت نحو التنظيمات الحديثة الممثلة بالأساس في الجمعيات التنموية وكذا المجالس المنتخبة التي عرفت بدورها تطورات متعددة لا يسع المجال للتفصيل فيها .
أ ـ التنظيمات التقليدية : رغم التحولات العميقة التي مست مختلف جوانب التنظيمات الاجتماعية بمجال ادرار وتحديدا تراجع دور القبيلة واندثار العديد من مقوماتها وأسسها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، رغم كل ذلك لازالت العديد من القيم الموجهة للحياة الاجتماعية للساكنة تنهل من المخزون الثقافي الموروث عن المراحل التاريخية السابقة بوعي أو دونه ، ويعود ذلك بالأساس إلى صعوبة اختراق المجال السوسيوثقافي للمنطقة لاعتبارات متعددة ، إذ فشلت حتى الان كل المؤسسات الحاملة لقيم الحداثة الوافدة في فرض نمط تفكيرها وقيمها على المنطقة ، وفي مقدمتها المؤسسة التعليمية والجمعيات المختلفة وكذا الاعلام الدخيل على المنطقة برا وجوا والحامل لمختلف القيم الثقافية والحضارية التي سرعان ما تتبدد وتفقد الكثير من بريقها لدى الساكنة ليعودوا من جديد إلى العادات القديمة ولأدل على ذلك هذا النزوح الجماعي اليوم نحو النبش في الذاكرة والتاريخ والبحث في الهوية المتجذرة في التاريخ . وبالقدر الذي سعت فيه الأنماط الثقافية الوافدة إلى تحديث المنطقة طوعا وكرها ، خلفت تأثيرات عميقة على البنيات التقليدية وأضعفتها دون أن تلغيها أو تقدم بديلا متقدما عنها ، وبذلك تظل التنظيمات الاجتماعية مراوحة بين القديم والحديث دون أن تنسب إلى هذا وإلى ذاك ، حيث يظل تدبير الشأن العام اليوم وإن تغلف بثوب العمل الجمعوي ـ كتنيظم حديث ـ موجها بقيم تقليدية تنهل من الجاه والمكانة الاجتماعية والدينية للفاعلين والعمل الاحساني والتكافل في حلة جديدة لقيم تيويزي ، وبذلك لا غرابة أن نجد أكبر الجمعيات الفاعلة والوازنة بأدرار تجمع بين المرجعيتين التقليدية والعصرية ومن أمثلة ذلك الجمعية الاحسانية لإداوسملال التي كانت أولى الجمعيات الفاعلة بالمنطقة منذ ربع قرن وبلغت أوج نجاحها بفضل التوليف الناجح بين البعد الاحساني الديني النابع من ثقافة القبيلة الامازيغية التي تغدت وتعززت بقيم التكافل الاسلامي والبعد الحداثي الممثل في الجمعية بكل ما تفتحه من افاق الانفتاح على الدولة بمخلف قطاعاتها ومؤسساتها الرسمية من جهة ومختلف التنظيمات الحاملة لنفس القيم محليا وطنيا ودوليا .
ب ـ الجمعيات التنموية : يشتغل اليوم بمجال أدرار نسيج جمعوي نشيط يحاول تغطية مختلف المجالات الحيوية لمختلف فئات ساكنة أدرار ، وقد كانت أولى انشغالات الجمعيات بأدرار تكمن في توفير البنى التحتية وفك العزلة على ساكنة طالما تعرضت للتهميش والاقصاء من البرامج التنموية والمخططات الخماسية والسداسية التي امتدت لسنوات دون أن تجد لها طريقا إلى المنطقة ، وبعد تحقيق حد أدنى من البنى التحتية اعتمادا على الامكانات الذاتية للساكنة في الغالب أو بتدخلات محتشمة من القطاعات الوصية ، توسع مجال انشغال الجمعيات المحلية وظهرت اهتمامات جديدة تتراوح بين التربية والتعليم والثقافة دون أن يغيب الهم التنموي الأكبر المتمثل في تعزيز البنى التحتية وهذت المرة من خلال الاهتمام بالمؤسسات التعليمية والمدارس العتيقة والمساجد والزوايا وغيرها ، ثم تعزز ذلك بتأسيس تعاونيات والتحاق المرأة التي غيبت لعقود في أجندة الشأن العام وظهرت حركة جمعوية نسائية ثورية بمنطقة تازروالت ثم امتدت إلى سائر مناطق أدرار وتعزز ذلك أكثر مع المناخ الايجابي والدينامية التي خلقتها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ 2005 .
وقد استطاع عدد من هذه الجمعيات بفعل حيويتها وقدرتها على المبادرة تجاوز الكثير من المعوقات لتحقق في مجال اشتغالها مشاريع هامة تتمثل بالأساس في مد الطرق والمسالك وتعبيد البعض منها مما فك العزلة عن الكثير من الدواوير ، كما نجحت بعض الجمعيات في توفير الماء الشروب بصفة قارة ومنتظمة للساكنة بفضل الامكانيات الذاتية وهبات المحسنين أو الدعم المباشر من المنظمات الدولية ـ نمودج منطقة اداي ـ أو في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إطار شراكات متعددة الأطراف.كما استفاد قطاع التعليم بشقيه العصري والتقليدي مع اهتمام أكبر بالمدارس العتيقة لاعتبارات أشرنا إليها أعلاه ـ من قسطه من الاهتمام حيث عملت الجمعيات على تأهيل المؤسسات التعليمية في بعض المناطق ودعم المطاعم المدرسية ، كما يجري حاليا تطوير قطاع النقل المدرسي ودور التعليم الأولي على غرار تجربة منطقة إداوسملال في هذا المجال .
وعلى مستوى القطاع التعاوني ـ الذي تحتل فيه جهة سوس ماسة درعة الرتبة الأولى وطنيا من حيث عدد التعاونيات النشيطة ـ تنشط بمجال أدرار اليوم أزيد من خمس تعاونيات تعمل في مختلف القطاعات الانتاجية محاولة استثمار المؤهلات الطبيعية والاقتصادية بالمنطقة ومنها بالخصوص تعاونية إنتاج وتسويق زيت الأركان ومشتقاته تعاونية تربية الماعز ، تعاونية حرفي الصياغة ، ومن التجارب الرائدة بالمنطقة وهي أولى التجارب على الصعيد الوطني نذكر تعاونية موزعي السمك بالعالم القروي وهي تعاونية تستهدف توزيع السمك وفق مواصفات السلامة والجودة بمختلف مناطق مجال أدرار وقد نفذت جميع هذه المشاريع في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتم توسيع وتعزيز إمكانياتها على مراحل ودفعات حتى تتمكن من مواكبة التطورات الحاصلة في هذا المجال سواء على مستوى الخبرات أو طرق وأساليب الانتاج أو غير ذلك .
رغم التحولات المتسارعة والتطورات التي مست مختلف جوانب الحياة بمجال أدرار دائرة أنزي، لازالت المنطقة تشكو من عدة إكراهات تعوق تنميتها الشاملة وتشل قدرة الفاعلين المحليين من جمعيات ومجالس منتخبة على المبادرة وتجعل المشاريع الطموحة المعلنة عاجزة عن تحقيق أهدافها، فإذا كانت البنى التحتية من طرق ومرافق عامة مرتبطة بشكل مباشر بتوفر التمويلات اللازمة ـ وهو أمر هين نسبيا مقارنة بالتحدي الاخر ـ فإن تنمية الانسان الذي يشكل حجر الزاوية والمعيار الحقيقي لنجاح التنمية يظل مرتبطا بتوفر جملة من الشروط الأساسية والتي تتجاوز في العمق المظاهر البارزة التي طالما تركز عليها مختلف النمادج التنموية وتغلبها على البعد الرئيسي الذي يتطلب جهدا مضاعفا ولا يمكن قطف ثماره في الحين .
الحسين أسمد