رغم التحولات المتسارعة والتطورات التي مست مختلف جوانب الحياة بمجال أدرار دائرة أنزي، لازالت المنطقة تشكو من عدة إكراهات تعوق تنميتها الشاملة وتشل قدرة الفاعلين المحليين من جمعيات ومجالس منتخبة على المبادرة وتجعل المشاريع الطموحة المعلنة عاجزة عن تحقيق أهدافها، فإذا كانت البنى التحتية من طرق ومرافق عامة مرتبطة بشكل مباشر بتوفر التمويلات اللازمة ـ وهو أمر هين نسبيا مقارنة بالتحدي الاخر ـ فإن تنمية الانسان الذي يشكل حجر الزاوية والمعيار الحقيقي لنجاح التنمية يظل مرتبطا بتوفر جملة من الشروط الأساسية والتي تتجاوز في العمق المظاهر البارزة التي طالما تركز عليها مختلف النمادج التنموية وتغلبها على البعد الرئيسي الذي يتطلب جهدا مضاعفا ولا يمكن قطف ثماره في الحين .
1 ـ عزلة مجال أدرار وتحييده عن المخططات الوطنية الكبرى : لا يمكن اليوم الحديث عن تنمية حقيقية ونهضة كبرى بمجال ادرار دائرة أنزي دون فك العزلة عنه من خلال فتح المحاور الطرقية الكبرى وجعلها طرقا وطنية تمر عبر مجال أدرار وتربطه بمناطق حيوية كبرى ـ على غرار الطريق الرابطة بينه وبين تيزنيت ـ ومنها اشتوكن أيت باها شمالا عبر جماعة أيت أحمد وجماعة أداي، ثم لاخصاص ـ تخوم جهة كلميم جنوبا عبر جماعتي إداكوكمار وتيزوغران إداوسملال و تافراوت شرقا ، إضافة إلى تعزيز وتأهيل الشبكة الطرقية الداخلية الرابطة بين مختلف مناطق أدرار ـ دائرة أنزي ومنها بالخصوص المحاور الكبرى المؤدية إلى المراكز الجماعية .
2 ـ تعقد الوضعية العقارية لمجال أدرار : يكتنف غموض كبير الوضعية القانونية لنسبة من هامة من أراضي مجال أدرار ، وتنقسم هذه الأراضي إلى الملك الخاص المحسوب على الساكنة ويعتمد في إثباته في الغالب على الوثائق العرفية وما جرت به العادة قديما لدى القبائل، ويتم فصل المنازعات فيه في الغالب باللجوء إلى القسم في الزوايا والأولياء أو باللجوء إلى القضاء ، وأراضي الجموع التي تبقى حدودها ومساحتها مجهولة وغير واضحة ـ في حدود علمي ـ إضافة إلى الملك الغابوي الذي أثار تحديده في السنوات الاخيرة موجة من القلاقل والاحتجاجات لم تزد ملف أراضي أدرار إلا تعقيدا.وينضاف إلى ذلك غياب مخططات للتهيئة العمرانية بمراكز جماعات مجال أدرارـ دائرة أنزي مما يعوق تطوير هذه المراكز ويكرس الوضعية العشوا ئية العمرانية السائدة اليوم بجل المراكز ماعدا المشروع الذي دشنته الجمعية الاحسانية لإداوسملال وجماعة تيزوغران حيث يجرى حاليا تهيئة مركز جمعة إداوسملال وفق مواصفات عصرية مع إضفاء البعد العمراني المحلي وهي مبادرة محمودة جديرة بالاقتداء حفاظا على الموروث المعماري السوسي المحلي .
ومما لا شك فيه أن الوضعية الحالية للأراضي بمجال أدرار تعوق أي نهضة تنموية وتقف حجرة عثرة أمام المستثمرين الذين يواجهون بشتى العراقيل وفي مقدمتها تعقد الوضعية العقارية وعدم وضوح وضعيتها القانونية فضلا عن تعقد المساطر القانونية في هذا الباب .
3 ـ.المعضلة الاجتماعية : لفقر والبطالة : لازال قطاع هائل من ساكنة مجال أدرار٫ وبالأخص الشباب٫ يئنون تحت الفقر والبطالة لأسباب متعددة تكاد كلها تنبع من غياب الاستثمار السليم للمؤهلات الهامة التي تختزنها المنطقة والتي لازالت توظف في تنمية مناطق أخرى على حساب مجال أدرار ، وقد أدى انعدام فرص الشغل بالمنطقة إلى نزيف اجتماعي حاد تمخضت عنه هجرات متتالية نحو مختلف المدن المغربية وكذا دول أوربا الغربية مما حرم المنطقة من يد عاملة نشيطة ونخبة من الشباب كان من الممكن استثمارها في تحقيق تنمية حقيقية تستثمر المؤهلات التي أشرنا إليها أعلاه ، كما فاقمت الهجرة من تدمير النسيج السوسيوثقافي الذي كان خزانا لقيم اقتصادية واجتماعية نحن اليوم بأمس الحاجة إليها للتصدي لثقافة الاستهلاك والتفكك الاجتماعي والأسري الذي ينخر الجسد الاجتماعي بادرار .
4 ـ وضعية المرأة بمجال أدرار-أنزي : تبرز المشاكل الاجتماعية كأحد أبرز المعوقات وفي مقدمتها وضعية المرأة التي لم تشهد تغيرات كبيرة رغم ما تم إنجازه في إطار التعاونيات النسوية أو من خلال برامج محاربة الأمية والتي يبقى تأثيرها محدودا مقارنة بالوعي الكبير الذي تشكل لدى المرأة القروية من خلال تأثرها بالاعلام وتطور وسائل الاتصال وهكذا يبرز وضع متناقض يتجلى في الوعي المتقدم ـ نسبيا ـ للمرأة المحلية وثقافتها الجديدة في مقابل وضع اجتماعي يحرمها من سائر الحقوق الأساسية ويحيدها من الانخراط الحقيقي في مسلسل التنمية المحلية .
5 ـ توالي أزمات الجفاف : عانت المنطقة من موجات متعاقبة من الجفاف ترتب عنه انحباس التساقطات المائية التي كانت تشكل الأساس الطبيعي لكل الأنشطة المرتبطة في مجملها بالنشاط الزراعي. وقد أدى إلى نزيف حاد وشامل مس مختلف جوانب الحياة بداءا بالمعيش اليومي للساكنة مرورا بدفع مئات العائلات إلى الهجرة نحو المدن فيما فقدت الكثير منها موارد اقتصادية هامة كانت تعيلها وتغنيها عن التوجه إلى الأسواق ومنها الثروة الحيوانية الموزعة بين الأبقار وقطعان الماعز، وقد تضاعفت حدة هذه الظاهرة الطبيعية بغياب مخططات استراتيجية للحد من اثارها ونتائجها السلبية على مختلف جوانب الحياة بالمنطقة ومنها بالأساس توفير خزانات وبحيرات مائية وعدم دعم الفلاح المحلي بتوفير الأعلاف الكفيلة بالحفاظ على الثروة الحيوانية بالمنطقة .
6 ـ مشاكل أخرى : إلى جانب كل هذه المعوقات التي تشكل أمهات المعضلات بمجال أدرار، تنضاف إشكاليات تدبير الشأن العام الموكول منذ عقود لجهات وأطراف تفتقد إلى رؤى وآليات ناجعة لبلورة مشاريع في مستوى التحديات المطروحة على المنطقة. وهكذا غابت التنمية الحقيقية للمنطقة في كل الأجندات المتعاقبة على الجهات الموكول لها تدبير الشأن المحلي وظلت العشوائية والمزاجية والحسابات السياسوية الضيقة تحكم المنطقة لعقود وفوتت بذلك سنوات وعقود ارتدت فيها أحوال المنطقة من سيء إلى أسوأ، رغم التحسن الذي تحقق في بعض المجالات في السنوات الخيرة : تمدرس الفتاة ، توفير المدارس بمختلف الدواوير، مد بعض الطرق، تزويد المراكز القروية بالماء الشروب ، الكهرباء لجل ساكنة المنطقة ..الخ
ذ – الحسين أسمد