يعتبر جبل أضاض مدني أو اداد مدني واحدة من أعلى القمم بالمنطقة ومن المواقع الفريدة بالأطلس الصغير الغربي، حيث يجمع بين البعدين التاريخي والروحي من جهة والسياحي، والعلمي من جهة أخرى. من خلال هذا المقال سنحاول ان نقرب القارئ أكثر من هذه المعلمة الشامخة بأدرارحيث حاولنا أن نحقق علميا وسوسيولوجيا حول هذا الموقع عن طريق جمع كل ما تناثر هنا وهناك من شفهيات وكتابات ودراسات علمية.
الموقع الجغرافي : جبل أداد مدني (بالاماز يغية : ⴰⴷⵔⴰⵔ ⵏⴰⴷⴰⵣ ⵎⴰⴷⵏⵉ وتنطق : أدرار ناضاز نمدني) هو جبل من جبال الأطلس الصغير الغربي ويبلغ علوه 470. 1 متر فوق سطح البحر. و يقع على بعد 75 كم شمال شرق مدينة تزنيت في جماعة أوكنز التابعة لإقليم شتوكة آيت باها ضمن جهة سوس ماسة بجنوب المغرب وسط محمية المحيط الحيوي لشجرة الأركان الغنية بتنوعها النباتي والحيواني(الخريطة).
اسم أضاض مدني هوتحريف للاسم الاصلي للكلمة الامازيغية اضاز نمدني أو أضاد نمدني ، التي تعني ” اصبع الناس “. اما سبب تسميته اضاد نمدني فيعتقد ان الولي الصالح سيدي المدني اوعلي شقيق الولي الصالح سيدي ايعزا اوعلي دفين مدرسة تيزكين العتيقة, قد دفن في قمة جبل اضاد مدني. وهناك ايضا من يقول ان سبب التسمية هو أن الجبل له شكل اصبع من زاوية رؤبة محددة ويراه الناس من بعيد لذلك سمي “بأُصبع الناس”.
جبل أضاض مدني له طابع مقدس وروحي بمنطقة ادرار ، فبالإضافة إلى كونه جبلا شامخاً يمكن رأيته من بعيد فإنه يعنى بإحترام وتوقير بل وتقديس من سكان منطقة أدرار. ففي بحثنا حول سبب هذا التقدير والتقديس وجدنا الكثير من الاساطير الشعبية والقصص الشفوية التي توارثها الابناء عن الاجداد. ومن بين هذه القصص تلك التي تتعلق بسيدي المدني حيث يحكى ان الولي الصالح سيدي المدني قرر ان يلجأ الى الجبل بعد ان كان يسكن في احد السهول و كان احد جنود المخزن (الدولة) يسمى “أمغار” في ذلك الزمان يمر بمنزله وهو في طريقه لاداء احدى مهامه . وبعد ان شعر بالجوع طلب من سيدي المدني ان يطعمه فطبخ له دجاجة لم يكن يملك غيرها. كان احد ابناء سيدي المدني يبكي من الجوع فأطعمه ابوه رجل الدجاجة .لاحظ المخزني ان الدجاجة المطبوخة ليس لها الا رجل واحدة فسأله عن السبب فأجابه انه قدمها لابنه الصغير الجائع . استشاط المخزني وامر باحضار الطفل ثم بتر رجله بالكامل فأصبح معاقا منذ ذلك الحين. بعدها شعر الولي الصالح سيدي المدني بالغضب الشديد فغادر قريته الى الابد و استقر بقمة الجبل حيث لا تستطيع اية سلطة الوصول اليه. وتقول رواية اخرى ان الشخص المدفون في قمة الجبل انما هو رجل آخر من الشرفاء السباعيين. ولذلك و في كل عام كان “إفقيرن” وهم مريدو إحدى الزوايا الصوفية بالمنطقة يعرفون لاحقا بفقراء طائفة ايداولتيت، كانوا يحجون إلى الضريح حيث بنوا في قمة الجبل ملجأ ليلياً يبيتون فيه ؛ كما حفروا خزان لجمع مياه الأمطار للشرب.
ويحكى أن الولي الصالح سيدي حماد او موسى زار قبر الولي الصالح سيدي ايعزا او علي بمنطقة تيزكين بأثنين اداي وصلى في المكان المسمى المركع وما زال الناس يدعون بنفس المكان خلال موسم تيزكين قرب المدرسة العتيقة بأثنين اداي .ثم تابع سيره مرورا بالقرى المجاورة مرفوقا بمريديه الذين يعرفون لاحقا بفقراء طائفة ايداولتيت .ويعتبر سيدي أحمد او موسى مؤسس هذه الطريقة الصوفية .تابع بعد ذلك طريقه إلى جبل اداد مدني ويقال أن أثر فرسه محفورة إلى الآن على إحدى صخور الجبل. و ما زال فقراء هذه الطائفة يتبعون نفس الطريق التي كان يمشي عليها الولي سيدي احماد او موسى السملالي الذي عاش في القرن 17 حتى عهد قريب. أما الآن فلم يعد الفقراء يتسلقون الجبل الوعر لأن أغلبهم قد هرم و شاخ .هم يكتفون الآن بركوب السيارات إلى قرية تيمجيشت المجاورة لقمة جبل أداد مدني.
أما عن ضريح جبل أضاد مدني، فهناك آراء مختلفة حول المدفون بقمة الجبل، فهناك من يقول ان الضريح هو للجد الجامع لقبيلة الأشراف السباعيين الولي السائح عامر الهامل المكنى بأبي السباع. وهناك من يقول ان الدفين هو الولي الصالح سيدي المدني اوعلي شقيق الولي الصالح سيدي ايعزا او علي دفين مدرسة تيزكين العتيقة. ومن زار الجبل يكتشف ان هناك قبرين مجهولين آخرين.
علميا فجبل اداد مدني كان موضوع العديد من الابحاث في مجالات علمية مختلفة : جيولوجيا، نباتيا، مناخيا،… وقد زار موقعه العديد من العلماء المهتمين من كافة العالم : فرنسا، إسپانيا، بلجيكا، إنجلترا، النرويج وأندونيسيا،… ونجد على شبكة الأنترنت العيدد من المقالات التي كتبت حول هذا الجبل بلغات مختلفة.
ومن بين ابرز هذه الابحاث ذلك البحث الذي قام به العالم النباتي الفرنسي : فابريس كوزان (F. Cuzin) الذي اصدره سنة 1997 حيث قام بزيارة الجبل وموقعه في سنة 1996 مع العالم المغربي عبد المالك بن عبيد. وقد اسفر هذا البحث عن إكتشاف الشجرة التنينية “أجڭال” بموقع جبل اداد مدني وجبل إمزي بين ضفاف نهر اماغوز، حيث تفاجئ العالم الفرنسي بوجود هذه الشجرة الناذرة وسط جبال الاطلس الصغير وإستغرب ذلك لانه إلى ذلك الوقت كان العلماء يظنون ان هذه الشجرة موجودة فقط في جزر الكناري الإسپانية.
هذا الاكتشاف الحديث أثار غبطة النباتيين ورجالات العلم الذين توافدوا على موطن هده الشجرة ليزيحوا الستار عن سر وجود هده الشجرة بالمنطقة. وكلمة ” أجڭال” تعني باللغة الأمازيغية الشيئ المعلق أو الصعب الوصول إليه. حيث تنبت الشجرة على حافات جبل أداد مدني وجبل إمزي المحادي له.
كما قام باحثون آخرون بالإهتمام بالجانب الجيولوجي للجبل، فإن جبل أداد مدني يتكون من الكوارتز(Quartz) التي يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الكمبري(Précambrie). وعلى الريوليتز (rhyolites) ، التي يعود تاريخها أيضا إلى عصر ما قبل الكمبري كما لوحظ من طرف العالم الفرنسي فابريس كوزان (الذي زار المنطقة في مارس 1996 في إطار سفرية إستكشافية للمنطقة). في بعض الأماكن. هذا الطابع الجيولوجي ينتمي إلى سلسلة عصر ما قبل الكمبري لمنطقة أنزي ، والتي تتكون من الصخر و الحجر الرملي. من وجهة نظر التربة ، هناك نوع من التربة البنية والحمراء فيرسياليتي قوي على المنحدرات.
إن جبل اداد مدني يعتبر موقعا سياحيا فريدا من نوعه حيث يزوره العديد من السياح المغاربة والأجانب لصعود الجبل. هذا الصعود فيه صعوبات كبيرة نظرا لانعدام طريق معبدة وكذلك لخطورة حافات الجبل وتضاريسه. لذلك كان ومازال بعضهم يستعين بالبهائم من بغال وحمير لتسهيل الصعود للتقليل من الجهد البدني. المسافة والارتفاع كبيرين فبين جبل اداد مدني وقرية أدّار المتواجدة في الضفة الأخرى لنهر أماغوز الذي يحيط بالجبل 15 كيلومترا تقريبا مع ارتفاع عمودي يقارب 1000 متر.
وينصح إختيار وقت الصيف أو الربيع لصعود جبل اداد مدني نظرا لكثرة الأمطار والعواصف العنيفة وصعوبة الرؤية بسبب كثافة الغيوم في موسم الشتاء والخريف. و للوصول لقمة جبل اداد مدني هناك طريقين، الأول عبر قرية أدّار بآيت أحمد وهو الأصعب. للوصول لقرية أدّار عبر اثنين اداي مع مسافة مشي لمدة ساعتين إلى قرية أدار ثم 4 ساعات أخرى لصعود جبل اداد مدني. عبر المسارات التي تم إنشاؤها من قبل الأجداد على حافات الجبل على منحدرات الجبل الخطيرة. وهناك طريق ثاني من تنالت إلى جماعة أوكنز عبر طريق السيارات إلى قرية تغجيجت في مدة قصيرة حوالي ساعة ثم مشيا على الأقدام لمدة ساعتين تقريباً.
قمة جبل اداد مدني تتيح للزائر منظرا پانوراميا حول جبال الأطلس الصغير الغربي ويمكن من أعلى الجبل رأية سهل سوس و ليلاً أضواء مدينة أكادير على بعد 150 كيلومترا شمالا ومدينة تيزنيت كذلك التي تبعد 70 كم جنوب غرب الجبل. كما يمكن للزائر أن يبيت ليلاً بالجبل حيث يوجد مأوى جبلي به أثاث وأواني للطبخ داخله، كما أن خزان الماء الذي بناه “إفقيرن” لا يفرغ من الماء الشروب.
وبهذا يكون جبل اداد مدني هو شاهد حي على الكثير من الأحداث التاريخية والعادات التي عرفتها منطقة أدرار، ومازال يخزن كنوز تنتظر الاكتشاف. والسؤال هو كيف السبيل لتثمين هذا الموقع الفريد من نوعه سياحيا و طبيعيا وثقافيا ؟ في غياب سياسات عمومية تهتم بالسياحة الجبلية والبيئية وبهذا الموروث الشامخ.